تقوع الحدث
في منزلين منفصلين بقطاع غزة كانت ملامح الحزن تتشابه، نساء يرتدين ملابس سوداء ورجالٌ يستقبلونَ المُعزين على الأبواب تحت شوادرٍ من النايلون الأخضر، ورائحة البُن وعُلب التمر اللتان تتجاوران كلصيقين في مطابخ العائلتين تلحقان بكل معزٍ جديد، كأنهما في منزل الطفل حسن شلبي تغطيان على رائحة وجبة العدس التي تناولتها العائلة يوم أمس الجمعة 8 فبراير كوجبةٍ رئيسية، وفي منزل عائلة الفتى حمزة شتيوي تثبت القهوة والتمر أنهما صاحبات بيت ففي سبتمبر 2018 قتل الاحتلال الإسرائيلي عماد شتيوي (19 عامًا) أثناء مشاركته في مسيرة العودة وكانا –القهوة والتمر- حاضرين كالعادة.
والدة الطفل توسطت المُعزيات تحمل بين ذراعيها رضيعة حديثة الولادة كانت الأخت الأصغر للأشقاء الستة الذينَ يتوسطهم حسن، قالت لـ"بوابة الهدف": نقلوا خبر استهداف حسن على مرحلتين، أخبروني في بادئ الأمر أنه أصيب فقط فانقبضَ قلبي وأحسست أنني لن أراه مُجددًا، وقبلَ أن أرتدي ملابسي للحاق به للمستشفى جاءني اتصال يخبرني أن حسن شهيد".
بكت الوالدة رغمَ محاولتها للتماسك، وتابعت "كان حسن مرهف الحس، يفهم ما أريده دونَ أن أنطق، وكلما وجدني حزينة يحاول التخفيف عني".
وجع الفراق في اللحظات الأولى كانَ واضحًا في الفيديو الذي انتشر لشقيقاته يطلبونَ إليه أن يتحركَ من ثلاجة الموتى ويعود برفقتهم للمنزل، فشقيقته أسيل التي تكبره بسنواتٍ قليلة صاحبة عبارة "أمانة قوم يا حسن" قالت إنه كانَ أكثرهم حنانًا وتفهمًا لضيق ذات اليد الذي تمر به العائلة، وسعيًا للتخفيف عنها حاولَ البحث وهو ابن الرابعة عشر، عن عملٍ يعين فيه والده بعدَ انقطاع التمويل الحكومي – الشؤون- الذي يصلهم شهريًا.
وتابعت الأخت "كانت إصابة حسن في صدره، قتله جندي إسرائيلي برصاصةٍ مباشرة كان يريد له أن يموت".
بنفس نوع السلاح ربما قتلَ الاحتلال الفتى حمزة شتيوي (17 عامًا)، وعلى غفلةٍ منه أصابَ قناصٌ إسرائيلي الفتى الذي يجلس ضامًا قدميه برصاصةٍ قاتلةٍ في العنق.
قالَ أحد المسعفين في شهادته على قنص حمزة إنه لما سمعَ صوت إطلاق الرصاص ركضَ باتجاهه وكانَ الدم يخرج من رقبته، وأدركَ لحظتها أن الاصابة قاتلة وأن الفتى لن ينجو.
في منزل عائلته رمت النساء الحلوى لحظة وصوله على رؤوس المُعزين وأطلقن الزغاريد غيرَ أن ذلك لم يكسر الحزن الذي عاودَ فرض سلطانه عندما دخلَ حمزة على النعش تقلبه والدته وشقيقاته وعماته للمرةِ الأخيرة.
قالت إحدى العمَّات بعدَ انتهاء الوداع الأخير مُخاطبةً الجسد الذي يُغادر منزلهم محمولاً "سلم على ستك يا عمتي، سلم على أعمامك، سلم على كل الشهدا يا فرحتنا الأولى".
كانَ للطفلينَ أحلامًا مختلفة، وحياةً لا تتشابه، وتفاصيلًا في الشكل والعمر والملامح تختلف، غيرَ أن موتهما كانَ بذات اليوم، برصاصٍ غادر جمعَ الاختلافَ في كفنٍ واحد، ودفنَ صغيرين ووأد حلمين، وصبَ الحزن في قلوب الجميع.